الحب العذريعاطفية وإرتباط روحيعلاقة فيزيائية
الحب العذري .. حالة عاطفية وإرتباط روحي.. ينأى بنفسه عن كل علاقة فيزيائية
 |
| الحب العذري .. حالة عاطفية وإرتباط روحي.. ينأى بنفسه عن كل علاقة فيزيائية |
تحقيق / قاسم البياتي
تحقيقي هذه المرة سادتي القراء، لم يتم الترتيب له مسبقا كحال غيره، بل ولم أضع في حساباتي ما الذي يمكن الإعداد له، وإنما جاء نزولا عند رغبة أحد الأصدقاء المقربين من جوانح إحدى مدننا الحبيبة، وعبر مكالمة هاتفية طلب مني تناول هذا الموضوع برؤية موضوعية عبر صفحات (القلعة الزرقاء)،
في مقابل الإحتفاظ بما يضمره صدره من آهات أحالت واقعه إلى مأساة ودونما التطرق الى معاناته، والتي بالطبع ستكون حاضرة بين أسطر مادونته أناملنا من خلال تجارب عديدة عاشها شخوصها ومن كلا الجنسين.
أخي الذي لم تلده (أمي) كان ولسنوات عدة (لم يفصح عنها) مثار إهتمام وتساؤلات من حوله، هذه المأساة لم تكن نتيجة طيش عابر أو إثم حياتي (لاسامح الله) قد أرتكبه، وإنما للإنسانية المفرطة التي جبل عليها حيث لم يتمالك نفسه من الأجهاش بالبكاء في لحظة من اللحظات السعيدة والتي يحلم بها أي شخص في الحياة مهما تنوعت ثقافته، وأضحى بعيد ذلك بين ليلة وضحاها جليس ذكرياته ولساعات يقضيها بين تأملاته وهواجسه التي بدأت تتناقل أمامه وهو يحاول إستعادتها ولكن على أرض الواقع هذه المرة، بعدما كانت سعادة لحظاته ببعد المسافات التي كانت تفصله عن معشوقته، لذلك جاء مضمون هذا التحقيق حول ماهية الحب العذري أو العشق العذري ودراستها من جوانب عدة وماتحويه مضامينها من البراءة والأحاسيس الصادقة والجياشة.
ظاهرة مثلى
البداية كانت مع الدكتور صادق العظم وكتابه الذي حمل عنوان (في الحب والحب العذري (حيث ينعت الحب العذري بالظاهرة العاطفية الغريبة، ويرى إن العاشق العذري أو (العاشقة العذرية) لا يحب في الحقيقة شخص حبيبته بقدر ما يحب عشقه لها، ولذلك نراه يفضل بعدها على قربها، لأن البعد يؤجج نار العشق ويترك المجال للعاشق لأن يتلذذ بينه وبين نفسه بأعنف المشاعر وأعذب الأحاسيس، ولأن يستمتع بحالات الألم والتمزق والقلق والسقم والبلاء التي تطرأ عليه وتنزل به من جراء بعده وحرمانه، مؤكدا بأن هذا العشق يضعف ويخبو عند ساعات اللقاء، ولذلك لا يطلب العاشق اللقاء إلا كمقدمة ضرورية لتحقيق الفراق من جديد.
مفهوم معاكس
أما ميادة نادر (طالبة جامعية) فقد أردفت بالقول مؤكدة بأن مفهوم الحب العذري يكاد يكون غير موجود في قاموس الرجال، فأية علاقة حب بالنسبة له يجب أن تتوج عاجلاَ أم آجلاَ بـ (......)، وإن قبل بفكرة الحب عن بعد في الفترة الأولى من التعارف فإنه لن يرضى أن يقضي بقية عمره مع كلمات العشق ونظرات العيون، وأن على الفتاة أن لا تتفاجأ عندما يقرر هذا الشاب العاشق أن لحبهما العذري نهايتين إما الزواج لكي ينمو هذا الحب ويكبر أو الفراق.
سمو المشاعر
لكن رؤى صبري (أستاذة علم النفس) 43 عاما، قالت في سياق حديثها بأن الموضوع مختلف بالنسبة للمرأة التي تستطيع أن تعيش قصة حبها الأفلاطوني لسنين طويلة بدون أن تشعر بحاجة ماسة للإرتباط الفيزيائي من جهة، وهذا الشعور بالحب بالنسبة لها ينمو مع الكلمات الرقيقة وسمو المشاعر والأحاسيس المتبادلة من جهة ثانية، فالصداقة بين الرجل والمرأة والحب العذري بينهما قد يعبران عن نفس الحالة (إن صح التعبير) لأن الحب هو المرحلة التي تلي مباشرة مرحلة الشعور بالإرتياح للآخر أو مرحلة الصداقة لذلك نرى بأن الحب العذري يختبأ في قلب أحدهما على الأقل.
إنتصار الروح على الجسد
تنسب ظاهرة الحب العذري عند العرب الى قبيلة عذرة العربية إحدى قبائل فضاعة والمعروفة في الجزيرة العربية إبان صدر الإسلام التي أشتهر شعراؤها بنمط معين من الحب إتصف بالعفة والوفاء والسمو الأخلاقي بعيداً عن شهوات الجسد، حيث يؤكد الدكتور يوسف خليف في كتابة (الحب المثالي عند العرب) أن الحب العذري ظاهرة روحية يتعلق العاشق بواسطته بمحبوبة واحدة يرى فيها مثله الأعلى الذي يحقق له متعة الروح ورضى النفس وإستقرار العاطفة، وهو إستقرار يجعل فتنته بواحدة تقف عندها آماله وتتحقق فيها كل أمانيه، حيث توصل الكاتب في مبحثه العلمي الى وصف هذا الحب بأنه مأساة تدور أحداثها بين عاشقين وبأنه إنتصار الروح على الجسد.
إختلاق الحواجز
فيما أختزل الشاعر منتظر عامر (رئيس منتدى أرض العراق بيداء الشعراء) عدة كلمات بهذا الأمر قائلا: العاشق العذري يحقق تجربته في الحب المتقد والملتهب عن طريق الحواجز والعوائق التي تحول بينه وبين المحبوبة وعندما تزاح هذه الحواجز نراه يختلق عوائق أخرى للحيلولة دون الوصول الى المحبوبة ليبقى في حالة هيام دائم وشوق متأجج ولهفة لا ينطفئ لهيبها.
صبر ودلال
بينما يقول (م. ل. ع) متزوج وأب لطفل واحد يبلغ العامين من العمر بعد زواج تقليدي رضخ فيها لإرادة والديه، وبعد أن عاش هذه التجربة الجميلة لسنتين كانت تدفعه قوة سحرية نحو هذا الحب حيث يقول: حبيبتي كانت تصطنع الغنج والدلال والمشوب بالجفاء وهي تدرك جيدا مدى حبي لها وذلك لخلق نوع من الحواجز
بيننا رغم شدة الوله والهيام والتي كانت تبادرني نفس الإحساس، فكنت حقيقة لاأشعر بالغضب من غنجها ودلالها وبخلها بعواطفها بل كان ذلك يحلو لي لتبقى الموانع قائمة بيننا ويبقى الحب في أقصى حالات توهجه، ولكن رغم ذلك فقد إنطفأ بريقه في واقع الحياة ولكن دخانه المتأجج لازال يتصاعد الى الآن من بين أنفاسنا نحن الأثنين.
بكاء بحرقة
أبو ذر الجشعمي من جهته وصف هذا الحب بكلمات هي أقل مايمكن أن توصف بها وذلك بالقول: يدخل حياتنا بلا إستئذان، ويقدم لنا
الحب فوق أوراد الورود، ويحملنا الى عالم الأحلام، ويشعرنا بمسؤولية تجاه من نحب وإننا مسؤولون منه، وهو يعلمنا الصدق والإخلاص، ويصبح قلبنا الذي نعشق به، وعيننا التي نرى بها، هذا الحب الصادق إن ضاع منا بحق نبكي بحرقة
تأريخ يحكي
يقول المؤلف العالمي (مارو) في كتاب له يحكي عن هذا الحب مستشهدا عبر أسطره إن الحب الصادق والمعبر عن الهواجس يجعل الإنسان عفيفا وهو أنبل صور العشق التي وصل اليها الإنسان، فأي زيف أو إصطناع في عاشقين تطغى على حبهما العفة والإخلاص والحرمان والطهارة، ويتسائل أيضا لماذا لاننظر الى هذين العاشقين على إن مكابداتهما مثلت هزيمة للنفس الأمارة بالسوء أمام المثالية الخلقية التي يؤمن بها العاشق العذري حيث إحتلت العذرية أو العفة مكانة كريمة في تأريخ الوجدان وفي الآداب العالمية، فيما تقول مصادرنا إذا عدنا إلى تأريخ العرب وإلى قبيلة (بني عذرة) بالذات أمكننا العثور على ما يرسم تصورهم للحب أي إلى تعريف يقترحونه لمكابداتهم هذه في (روضة المحبين ونزهة المشتاقين (لإبن قيّم الجوزية يرد فيها: (قال أحدهم: قلت لإمرأة من عذرة رأيتُ فيها هوى غالباً خفت عليها الموت منه: ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب ؟ فقالت: فينا جمال وتعفف والجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يُفني آجالنا.
سطر ومعاني
الروائي محمد العبيدي كانت له رؤيته بهذا الخصوص قائلا: إن صفحة هذا الحب لا يجوز قراءتها بإستخفاف أو النظر إليها من باب سطحي وبخاصة على ضوء التحليل الذي يمارس من قبل المتعمقين بأبعاده، وله الكثير من الحلم والبراءة وأن المهم في الموضوع أن العذرية حالة أصيلة لدى العاشقين
.وليست مجرد حالة شعورية مؤقتة أو حالة عابرة
الصداقة... والحب العذري
الحب العذري هو العلاقة التي تجمع بين شخصين بعيداَ عن كل إرتباط فيزيائي والصداقة بالتعريف تشبه بشكل كبير هذا الحب، ولكن هل تنطبق نظرة المرأة للموضوع مع وجهة نظر الرجل ؟ إذن الحب العذري والصداقة قد يعبرا عن نفس الحالة وغالباَ ما يتشابهان في نظرة المرأة للأمور ففي كلتا الحالتين هي تكن حباَ وتقديراَ كبيران لهذا الرجل، أما بعض الرجال فهم يؤمنون على الغالب بالصداقة بين الجنسين وأيضا بالحب العذري الذي يؤجج ويجدد لحظاته في حياته، فملخص ماجاء في مضمون تحقيقنا هذا أن الحب ليس له ماهية واحدة، بل هو مفهوم مجرد يشير إلى أطياف من المشاعر والأحاسيس والإنفعالات المترابطة عضويا في النفس الإنسانية، هذه أشياء قليلة مما يمكن أن يكتب عن الحب العذري الذي
خصص له الدارسون كتباً كثيرة وأستفاضوا في الحديث عنه، فمنهم من رفعه الى مقام رفيع في مشهد الحياة الأدبية الشعرية، ومنهم من دخل الى خصائصه دخول الدارس المتمحص ليبين جوانبه الإيجابية والسلبية وليخلص الى نتيجة مقنعة للقارئ.
إنكار للذات أو تحقيق لها
الحب عاطفة إنسانية تجذب شخصا لآخر من خلال صفات جمالية أو فكرية أو روحية لهذا الشخص، وهو إما حب جسدي وحسي أو روحي، وهو كذلك إما إنكار للذات من أجل من نحب أو تحقيق الذات فيمن نحب، حيث يقول أحد الفلاسفة (أن الحب العذري هو إمتزاج الروح بالروح كالماء إذا إمتزج بالماء إستحال تخليص بعض من بعض).
عاطفة أخاذة
فيما يقول الكتور محمد هلال عن الحب العذري، بأنه عاطفة أخاذة يهيم فيها المحب بحبيبته ويرجو الحظوة بوصالها، وقد تتضائل لديه النظرة الى المتع الحسية ومن كلا الجنسين، إذ يطغى عليها حرص المحب على إستدامة
عاطفته في ذاتها وعلى إعتزازه بها مع التضحية في سبيل الإبقاء عليها بما يستطيع بذله من جهد وآلام، مؤكدا بأن الحب العذري حب زاخر بالمشاعر العذرية وملئ بالعاطفة المتقدة ومتقيدون بأخلاق الوفاء والإخلاص
No comments:
Post a Comment